توم تيسلي وهو يحاول..
في الحفل الخاص بعازف الإيقاع الأمريكي توم تيسلي مع الفنان تشارلز ويليامز الذي رافقه بقراءات مدهشة من التاريخ الإنساني الذي ينضح بالحب والصداقة والبحث عن الحرية، الى جانب غناءه لبعض الأعمال التي صاغها بمصاحبة الإيقاع الصارخ الذي تفنن به تيسلي طوال الحفل.
في هذا الحفل صادفت بعض المفارقات التي جعلتني في الدهشة، حيث كان ضيوف هذا الحفل نخبة من أجمل الفنانين البحرينيين الذين يتقنون فنونهم بإخلاص، ولا يتركون للصدفة مكاناً إلا وأبدعوا فيها ما استطاعوا. شباب لون الحفل كما تشتعل شجرة الميلاد بالأضواء والهدايا (التي بدونها لا يكتمل العيد!!!)، كي أكون منصفاً لابد وأن أذكرهم فرداً فرداً لأنني حاولت أن أجد تبريراً لغياب أسماءهم في الحفل وقبله لكنني لم أجد..
فعازف آلة الجيتار في طبقة الباص أحمد القاسم قام بأداء محترف مع أنه كان قصيراً إلا أنه في قمة نضوجه الموسيقي، إضافة الى صوته الرخيم الذي شارك في أداء كورالي بمصاحبة تشارلز في إحدى الترانيم، فنان يثقف نفسه بالإستماع الى الكثير وتحليل ما يستمع له ومناقشته، لذلك تراه يثري من معه بما يملك من وعي موسيقي لأدق التفاصيل.
حسن حداد الذي علمني كيف أعشق آلة العود جاء ليضيف بصوته الحنون والقوي في نفس الوقت لوناً خاصاً لهذه الأعمال القادمة من أمريكا الإفريقية بشكل أساسي، الى جانب محاورة بعض الثقافات الموسيقية الأخرى، شخص لايقف عند أي حد، يجد في كل تجمع موسيقي كرنفالاً يجدد من خلاله حبه الكبير للنغم والإيقاع، لا يعنيه أين يقف في التجربة، فمشاركته مهما كانت صغيرة، لا يتردد في خوضها مادامت تضيف له أو للآخر، يمد يده دائماً لكل ما هو جديد ومغاير.
عبد الله العاني هذا الشاب المشتعل حماساً، يدخل في تجاربه بثقة المحارب، يذهب مع أصدقاءه لعزف النغمة الثالثة عشر، حيث يحاول الذهاب من خلالها الى موسيقى الآخر، وفي هذا الحفل يساهم بغناء الصوتيات الجميله التي تشبه غناء الغوسبل بصوته المختلف، يحب الجنون في الموسيقى، يذهب الى الورش الموسيقية كي يتعلم كل شيء.
عبدالرحمن مال الله الذي رسم بعصاه الساحرة لوحة من النبض الثائر، فأشعل الخشبة وهو جالس على كرسيه في مواجهة الدرامس، والجمهور جالس في ذهول الضروب الإيقاعية المختلفة، لم يخف توم تيسلي إعجابه بعبد الرحمن، حيث مايتمتع به هذا الشاب من إحساس بالنغم الموسيقي قبل معرفته بالإيقاع، جعله يتقن فن الإصغاء للآخر بشكل مذهل، فهو يستشف ارتجالاته الإيقاعية من خلال ما يسمعه من نغمات موسيقية، وهذا ما لم أراه في تيسلي الذي (بالنسبة لي على الأقل) لم يكن يصغي لمن معه على الخشبة، فذهب وحده في العزف المنفلت دون أن يصحب أحداً معه سوى كلمات تشارلز ويليامز الذي كان يتغنى طوال الوقت عن الأخوية والصداقة والإمتزاج مع الآخر!!!
أما وجيه الذي عزف على آلة الكونجا والذي يعتبر من أهم عازفي هذه الآلة في البحرين فقد تميز أيضاً بحضورة الذي يقنعك دائماً بأنه مستمتع فيما يفعل (وهذا ما لا نراه كثيراً عند عازفينا في البحرين)، ومع أنه لم يأخذ دوراً كبيراً في هذا الحفل إلا أن احترافه كان واضحاً وتناغمه خصوصاً مع عبدالرحمن الذي يعتبر وجيه كالمعلم مما يملك من تقنيات في عزف الإيقاعات اللاتينية، وبشخصيته البسيطة والمحبة من دون حدود، يشعرك بأنك دائماً مرحب بك، وهذا ما يحتاجه الفنان الحقيقي، أن يفتح أبوابه دائماً للآخر.
إسماعيل محمد بو دواس هذا الشاب الذي يملك موهبة الإيقاع الشعبي بمختلف أنواعه ويملك فرقة تشرف هذا البلد، نراه يتربع في مقدمة المسرح كي يساهم في رسم هذه الصورة المتنوعة من الإيقاعات القادمة من أنحاء العالم، كي يضفي على اللوحة بريقاً محلياً، كان من المفترض أن يكون أكثر فعالية، لو أتيحت له الفرصة، فشخص مثل العازف ابراهيم بوفرسن الذي عاد لتوه من برلين حيث شارك هناك مع بعض العازفين البحرينيين في الأسبوع الثقافي البحريني في ألمانيا، هذا الفنان عندما يصاحب العازف المخضرم ثاني سالم ثاني، الذي يزداد تألقاً كل عام، يحترم آلته ويتدرب وكأنه في امتحان مستمر، يصاحبهما يوسف محمد عجاج و ياسر سالمين زايد، هؤلاء الفنانين المتخصصين في الفن الشعبي البحريني عندما يتجاوزون تجربتهم وموروثهم الفني كي يدخلوا في حوارية مع فنون بعيدة عنهم، فهذه جرأء أحترمهم عليها، وكنت أتمنى أن اصغي الى حوار متبادل مع العازف الأمريكي في هذه اللوحات الكثيرة، لكني كنت أشعر بأن تيسلي منفصل عن جميع العازفين الآخرين، فكان المزج بين الآلات غير موفقاً في كثير من الأحيان. لكن تظل مشاركة هؤلاء الفنانين البحرينيين مميزة في هذا الحفل النادر والذي أتمنى أن يقدم بشكل أكثر عمقاً، فنحن نملك عازفين لا يقلون احترافاً عن أحد.