علاء غواص .. وهو يبدأ من الأقاصي
بقلم : محمد حداد
يترك جزيرة البحرين ويذهب الى بوستن ليدرس ما يشبه الإعلان وما يلتقي بالدعاية، لكنه وبذكاء طازج يأخذ معه أكثر الأدوات أهمية للسفر الطويل (الجيتار والحب).. فشخص مثل علاء غواص الذي لا تصادفه كل يوم، يملك من الشغف ما يكفيه بأن يحفر في صخرة الغربة بشراسة العطش.. مخفور بحبٍ نادرٍ يكاد يفتك به، وأنا هنا أقول حب ولا أعني الحب الذي اختاره علاء فقط، بل الحب هو الذي انتخب علاء نديماً. فهو محاط بملاءكة تحرس خطاه وتعاويذ تمجد له النجاح، وأصوات تباهي به (لأنه أهل لذاك).
(رأيت نفسي في البكاء وأنا أستمع إليه!)
في إصداره الأول الذي حمل عنوان “دندنات” أو (Hums)، الذي أصدره في بوستن من انتاجه الخاص عام ٢٠٠٧.. في هذا الالبوم يقترح غواص ذائقة مختلفة ومحترفة في نفس الوقت، فالمدرسة التي ينتهجها علاء هي الروك المطعم بالإحساس الشعبي أو ما يسمى (الفولكروك). أسلوب في منتهى الشفافية التي تفتح عليك صوراً لطالما حاولت نسيانها، يأسرك منذ الوهلة الأولى بصوت دافئ وحميم وكأنه يسرد لك سراً، ينثر كلماته التي كتبها بلغة رشيقة وعميقة…
يأخذنا معه في (ريبليكا) في محاولة منه كي يدخلنا بين تفاصيل وصفه النادر للنسخة طبق الأصل التي يرى نفسه فيها. في هذه الأغنية نستمع الى آلة الجيتار التي تمهد لنا طريقاً مألوفاً في هذا النوع من الأغنيات راسمة تآلفات في سلم (سي الصغير) أو كما يطلق عليه في بوستن (Bm)، لكن يفاجئنا صولو لآلة العود يعزف بعض الإرتجالات نسمعها بأنامل إلدن كيلي على نفس السلم الموسيقي في محاولة لبناء محاكاة صغيرة بين الآلتين الوتريتين، في رأيي الخاص ان فكرة اختيار آلة العود تعتبر جرأة جميلة ولفتة ذكية من غواص، حيث في هذه الأغنية يحاول أن يطرح خامة صوتية قادمة من الموروث الثقافي الذي أتى منه علاء وهي آلة العود، لكن اعتقد ان الإرتجالات اللحنية للعود التي كتبت مع تآلفات الجيتار لم تؤدى بشكل واضح يساهم في توصيل هذه الأحاسيس التي (ربما) أراد الغواص ان يخبرنا بها، لكن في اعتقادي أن الفكرة في حد ذاتها جرأة وقد وصلت بشكل واضح بعيداً عن التنفيذ.
أما في أغنية (شوغار بي) يذهب غواص عميقاً في دمه المستباح، حيث يلجأ للإعتراف بحبه الكامن لمصدر إلهامه، مبرراً صمته الذي استمر أربع سنوات (ونصف) محاولاً فيها تعلم أكثر الأشياء صعوبة، مداعباً أوتاره كي يصبح ملكاً جديراً بحب كهذا، فيبداً أغنيته بهمس خجول وكأنه يحاول الخروج من صمته الطويل في هذه اللحظة بالذات، وعندما ينتهي من مبرراته تخرج من صوته نغمة صارخة وكأنها عتاب حميم، تعامل معها غواص باحتراف فني من ناحية التصاعد الدرامي للكلمات، واحتراف تقني حيث أن صوته حافظ على روحة الحميمة في طبقته العالية مما يجعلك تتعاطف معه الى آخر لحظة. ودخول آلة الكمان بنغماتها الطويلة كان موفقاً، فالعزف الذي قامت به ليلي هينلي في منطقة منخفضة قريبة من الفيولا تجعل من الخامه أكثر دفئاً.
أما في الـ(ترتيلة) التي تلاها غواص استمعت الى أجمل التراتيل التي سمعتها من صبي قادم من بلدتي الصغيرة، وأعتقد أن الرب سيحب ترتيل علاء في هذا العمل الذي يعكس طهارة في الرؤية ونقاء في الروح.. يبدو أنه كتبها وهو في بوستن حيث الإلحاح على العودة الى الوطن، الى جانب كثير من الصور التي رسمها ببراءة، ويتسائل بعدها (هل سيحبني أحدٌ يوماً؟) سؤال في منتهى القتامة، ففي النهاية كنت افضل لو أنه انهى العمل بالتآلف الخامس مع نغمته السابعة التي عزفها هو قبل آخر تآلف في الأغنية حيث له طابع يتناسب مع الجملة التي يطرحها في النهاية (أنا أتسائل…..).
وفي أغنية (ذات الشعر الأحمر) يظهر دور آلة الجيتار بشكل واضح وقيادي مما يضفي الروح الريفية التي تطغى على هذا النوع من الغناء. والجميل في هذه الأغنية هو موضوعها الذي يسرده بطريقة مغايرة وصادمة.
يختم علاء هذا العمل بأغنية تحمل إسم أمه (فضيلة) التي بذرت فيه كل بذور الحنان والإيمان بما يملك وما تتمناه فيه، حيث غمرته بالحب منذ اليوم الأول في الحياة واليوم الأول في المدرسة، حيث كان حبها يجبر الألم أن يغفوا طويلاً، وكانت ترتب أحلامه وتعده بتوم سوير صديقاً، تغني له فيروز كي تلهمه الشموخ والخلود، بعد كل هذا الكلام الذي له شفافية البلور ونقاء الطفل، يتسائل (هل أنا جديرٌ بما بذرت فيّ؟)
أنت جديرٌ بكل ما قلت يا علاء، فأنت قصيدة لإمبراطورية الموسوي وقنديل لمملكة الغواص السؤال هو هل نحن جديرون بشخص مثلك؟ هذا سؤالي.. وهو ليس لك!