أن تؤلف نغمةً.. تضغط زناداً
موسيقى النضال في مصر (3)
بقلم : محمد حداد
في تجربة علي الحجار (لم الشمل) التي اشترك فيها مع جمال بخيت شاعراً و فاروق الشرنوبي ملحناً، قدموا معاً ألبوماً غنائياً مؤثراً، طافوا به حواري وأحياء مصر البسيطة كي يقدموه بين أحضان الناس البسطاء ليسمعوهم ما كتب بخيت عنهم، عمل غنائي مس الجميع بلغته المعبرة بصرامة كأغنية (رفاقي) المهداة لفلسطين، وكلماته الشفافة والمزركشة بالتعابير الساخرة من ألمه في أغنية (عم بطاطا) التي تحكي عن الإنسان المصري البسيط.. أما في أغنية (لم الشمل) يقدم الحجار/بخيت دعوة للدول العربية لكي تنبذ خلافاتها وتذهب للوحدة والبحث عن المشترك بينها.. في هذه الأغنية نتذكر أغنية (وطني الأكبر) ولكن بطعم آخر، فالفترة التي نعيشها تستحمل هذا النوع من الصياغة الشعرية واللحنية.
أما أغنية (الوطن الأكبر) فهي من الأغنيات التي تميزت بقوة موضوعها وذكاء لحنها، والأصوات التي قدمتها بحب وصدق الأداء.... هذه الأغنية التي توارثتها الأجيال الثورية تحمل حس وطني وقومي. في تجربة مثل هذه حاول محمد عبد الوهاب وعلى غير عادته أن يجعل للكونتربوينت (اللحن المضاد الذي يصاحب اللحن الأساسي للأغنية) حضوراً طاغياً وخصوصاً في المقطع الرئيسي للأغنية الذي يترنم به الكورس (الجوقة)، فكان الكونتربوينت في هذا العمل قوياً ومستقلاً بذاته حيث كانت الأصوات النسائية تغنيه على هيئة آهات لتوضحه وتضيف له حياة وصبغة أكثر قوة، الى جانب آلة البيكولو (الفلوت الصغير جداً) التي كانت تعزف برشاقة وسرعة اللحن المضاد في اللحن الأساسي.
فأسماء مثل : عبد الحليم حافظ، فايدة كامل، شادية، صباح، فايزة أحمد، هدى سلطان، والفنانة وردة الجزائرية التي انضمت لفريق الأغنية متأخرة لتشارك معهم حيث كتبت لها أبيات خاصة عن ركن الجزائر، ومع أنها كانت جديدة على هذا الجيل (لدرجة أنها لم تكن تتقن اللهجة المصرية بشكل كامل) لكنها استطاعت أن تحفر إسمها بين أسماءه التي لا يشبهها أحد..
كل هذه الأسماء جديرة بأن تجعلنا نتأثر بموقفها الوطني حيث أنها كانت رموزاً لشريحة كبيرة من الشعب المناضل.. يكتب هذه الأغنية الشاعر أحمد شفيق كامل عام 1958 ويصيغها محمد عبد الوهاب في الستينات بإتقان، وقد شارك في هذا العمل الوطني كثير من الأسماء التي تميزت بالإبداع الفني في كل اتجاهاته، فقد أخرج هذه الأغنية سينمائياً عز الدين ذو الفقار وقام بتصويرها وحيد فريد.. وكانت مشاركة صاحب (المومياء) المخرج شادي عبد السلام في هذا العمل هي بتصميم المناظر.. أي أنه المخرج الفني ومصمم الديكور. وفي هذه الأغنية يظهر عبد الوهاب وهو يقود الأوركسترا والمغنين، وهذا يأخذني إلى الكلام عن القيادة الموسيقية في أعمال ثورية ووطنية أخرى..
فهناك كثير من الفنانين الذين تميزوا بالقيادة الموسيقية لأعمال من هذا النوع.. فهناك شريف محي الدين الذي قاد كثيراً من أعمال الفنان عمر خيرت ومنها العمل الوطني (بانوراما أكتوبر)، وياسر عبد الرحمن الذي قدم (ناصر 56) على المسرح مع أعمال أخرى تحت قيادته أيضاً، ولا ننسى المايسترو مصطفى ناجي عندما قاد أوركسترا القاهرة السيمفوني في أغنية (زنابق لمزهرية فيروز) للفنان خالد الشيخ.. كل هذه الأعمال الملتزمة والتي تحوي رسالة إنسانية خالصة وصادقة، تحتاج إلى وعي كبير لما تحتويه من انفعالات وأحاسيس، فلكي يتصدى فنان لقيادة عمل مثل هذه الأعمال ولكي يترجم كل ذلك بدقه، لابد و أن يتمتع بحس وطني ملتزم وشفافية لتلمس جميع أنواع القضايا الإنسانية. فمن كل هذا يتضح أن القيادة الموسيقية في مصر أثبتت التزامها بالقومية العربية وعبرت عنها بشكل مشرف.. فماذا عن القيادة السياسية؟