top of page
  • محمد حداد

يدخلونك موسيقاهم بسهولة الطفل و براءة الجنون


الجاز.. هذا الفن القاتم القادم من سواد الأرض القائم على ارتجال النغمات الكئيبة والمتسائلة.. كيف لنا أن نصف الجاز؟ هذا الحدث الأقرب إلى الحلم المرتبك في بعض الأحيان والكئيب في أحيان أخرى، فليس غريباً أن يولد فن البلوز (Blues) من نحيب الجاز المثقل بالكآبة.


عندما نواجه تجربة مثل تجربة الأمس حيث يدخل ناثان ديفس ليرحب بنا بكل حميمية (وهنا يكمن السر في أمسيات الجاز) حيث يشعرك العازف أنه قادم لكي يعزف لك ولن يعود أدراجه إلا إذا كنت راضياً عنه، عندها فقط يمسك قلبك بيد ويبدأ العزف بيد أخرى، حيث لايغفل عن الكلام معك حتى لاتغفل عنه أنت، ويسألك بين مقطوعة وأخرى ما إذا كان ما يقدمه جديراً بك (وهو واثق بأنه حقاً كذلك) أو أنه لا يستحق جلوسك معه.


يبدأ الحفل بمقطوعة موسيقية بعنوان (Blues Walk) وهي عبارة عن تعريف عن العازفين حيث ينفرد كورتس فولر عازف الترومبون (آلة نفخ نحاسية تعزف بشكل أفقي) بصولو ارتجالي على إيقاع السوينج (Swing) الذي بنيت عليه الموسيقى كاملة، يليه موريس براون على الترومبيت حيث يعزف نموذجا صارخا من الإرتجال اللحني يذكرنا بالمبدع مايلز ديفس الذي فتح آفاقاً لم يتجرأ احد قبله الذهاب لها، ثم عازف الجيتار إيريك جونسون الذي يعزف وهو يتجول بين العازفين حيث يشعرك بأنه في بيته (وهذا أيضاً من جمال عازفي الجاز)، ويتألق عازف البيس جيتار أبراهام لابوريل في آخر صولو حيث يرتجل العزف والحركات التي توشك أن تكون رقصاً أو طيراناً كما وصفه ناثان ديفس الذي يمسك قيادة الفرقة بأسلوبه الدمث.


ثاني مقطوعات هذه الأمسية الحميمة هي (Autumn Leaves) التي كتبها جوزيف كوسما والتي أصبحت معروفة لدرجة انه تم غنائها بأكثر من لغة آخرها (بالنسبة لي) ما قدمه زياد رحباني بصوت فيروز في أغنية بعنوان (بيذكر بالخريف) التي بنيت على نفس اللحن الموسيقي ولكن بتوزيع مختلف لزياد، لكن هنا يبدأ اللحن الأساسي يتقاسمه ناثان على آلة الساكسفون في طبقة السوبرانو وموريس على الترومبيت، وبعد هذه المقدمة ينتهي اللحن الأساسي لكن تبقى تآلفاته الموسيقية مستمرة ويبني عليها كلاوس ريكستالر إرتجالات على مقامات كثيرة متجولاً بين تآلفات اللحن الأساسي بآلة الترومبيت المكتوم بقطعة صغيرة تسمى (Sordine) حيث يصبح صوت الترومبيت حاداً، وهذا الصوت ملائم جداً للصولوهات المنفردة الخاصة بالجاز، ثم تدخل عازفة البيانو الأذربيجانية الأصل أمينه فيجاروفا بصولو متحرر من كل التقاليد الكلاسيكية، حيث تكاد تترك كرسيها وترقص انتشاء (كما كانت تفعل إلين إلياس، حيث كانت تعزف البيانو وهي حافية القدمين وكأنها تحبس رقصة داخل جسدها المنهمك في صياغة الألحان). ثم يتناوب كل العازفين في صولوهات مع الدرامس وكأنه يجيب وهم يسألون، ثم يعودون إلى اللحن الأصلي فنتذكر الأغنية التي كادت تهترئ لفرط الارتجال.


يقدم لنا ناثان المغنية كوين نثرين بي التي تقدم لنا أغنيتين تبدأ الأولى بإيقاع Slow Rock مع مصاحبة العازفين ماعدا عازفي الترومبيت والترومبون، فمقطوعة من كلاسيكيات الجاز الذي اشتهر بأدائها مايلز ديفس والذي تميز فيها عازف الدرامس المسلم وينارد هاربر والذي لا يقل جنوناً عن باقي أعضاء الفرقة التي تم انتقائها بعناية.


يقدم لنا ناثان العازفة أمينة التي اختارها لأنها تدربت على القواعد الكلاسيكية في العزف و تقنياته في المدارس الأوروبية التي وصفها ناثان بأنها (Crap) وأنها الوحيدة القادرة على تقديم عمله الذي كتبه للأوركسترا والبيانو، لكن تم تقديم العمل في نسخة معدة للبيانو المنفرد في هذا الحفل ويقدم هذا العمل لأول مرة أمام الجمهور فقد انتهى من تأليفها قبل شهرين فقط فكان للجمهور في البحرين حظ في أن يستمع لهذا العمل المغاير حقاً و الثائر على باقي الأعمال التي قدمت في الحفل حيث كانت أقرب إلى المدرسة الكلاسيكية للجاز الغربي لكن هذا العمل المنفرد كان قريباً من الجاز الحديث. ثم نعود إلى الأغنيات مع الملكة ثم يختمون بمقطوعة موسيقية حيث انتهى الحفل مبكراً و الجميل أنهم لم يشبعونا بموسيقاهم. والأجمل أن القرص المضغوط الذي بيع في نهاية الحفل كان يحوي أعمالاً لعازف الترومبيت موريس براون الذي يحمل عنوان من فنون الهيب إلى موسيقى البوب.

RSS Feed
البحث بالتصنيف
كتبت أيضاً..
ما ذهب في الذاكرة..
bottom of page