الصواري.. شاهق كعادته
بقلم: محمد حداد
كان افتتاح مهرجان مسرح الصواري في احتفاله بيوم المسرح العالمي مختلفاً ومتقناً من الناحية التنظيمية بشكل لافت. واعتقد أن هذا النوع من الفعاليات هو ما كان يسعى له الصواري منذ تأسيسه في بداية التسعينيات، وهو أن يتم الإلتفات ليوم المسرح العالمي بشكل لائق من قبل المعنيين، وفي اعتقادي أن مبادرة سعادة الوزير بوكمال برعاية هذا المهرجان كانت لبنة مهمة وقوية في تأسيس هذا الحدث من جهة وتكريسه من جهة أخرى.. فمنذ لحظة دخولنا للبهو الذي يسبق الصالة الثقافية، نرى أشياءهم منثورة بيننا بحميمية لعب الأطفال وهي تستفزنا كي نختار ما يحلو لنا من إصدارات أعدت خصيصاً لهذا الحدث، وفي الصالة نرى المسرح وهو مؤثث بكراسي العازفين وحيدة، مع طاولة التكريم مثل غرفة قبل الحب، صورة تبعث على الحماس وتجعل الليل أجمل.. فبعد القاء الفنانة مريم زيمان كلمة يوم المسرح العالمي التي كتبها هذه السنة المخرج الكندي روبير لوباج، حيث تناقلها المسرحيون في أنحاء العالم لقراءتها في احتفالهم بهذا اليوم كل في بلده، والقاء الوزير كلمته الخاصة بهذا الإحتفال، يبدأ الطقس...
للموسيقى مكان أيضاً..
المميز في هذا الإحتفال هو مبادرة مسرح الصواري بتكريم نخبة من أهم الأصوات التي ساهمت في إثراء الحركة المسرحية في البحرين وساهمت في إيصال صوت المسرح البحريني الى الخارج (الخليجي،العربي والعالمي)، فشخص كإبراهيم بحر ساهم في صياغة المسرح في البحرين منذ كلاسيكيته المعاصرة، وهذه الفترة كانت من أكثر الفترات نضوجاً في إنتاج المسرح البحريني، وحمزة محمد الذي كان صديقاً لجميع المسرحيين واشتغل بصمت في الإخراج، وساهم في بناء شخصيات الشباب المسرحي بشكل يليق بكونهم تلاميذه، وابراهيم خلفان الذي يعتبر من رواد الحركة المسرحية الجديدة في البحرين وهو صوت من أصوات التجريب المسرحي المتألقين.
البادرة الملفتة والمؤثرة في هذا الإحتفال هي تكريم مسرح الصواري لشخصية مثل المؤلف الموسيقي وعازف الساكسفون الفنان مجيد مرهون، هذا المؤلف الموسيقي الذي لا ينتظر إلا زوجته وإبنه، خذله الكثيرون، لكنه مازال يثق بعصاه التي تسند وحشته الموسيقية، شخص يحمل الكرنفال بين تقاطيعه عندما تراه وما إن تغفل عنه، حتى يتلبسه حزن قديم. ذهب الى موسيقى العصور السالفة ليأتي لنا بمؤلفات نادرة تحاكي آلامنا وأوهامنا. والاختلاف النوعي في تكريم مجيد مرهون هو تقديم مجموعة من أعماله الموسيقية قامت بأدائها فرقة البحرين للموسيقى بقيادة قنديل الفرقة خليفه زيمان الذي لم يهدأ أبداً في صياغة ما هو مؤثر ولافت، فكانت هناك مجموعة من مؤلفات مجيد التي صاغها خليفة لتتناسب مع فرقته، وقد استمعنا لأعمال مثل (جارية مغلولة)، وأعمال تتكلم عن جزيرة (جده) التي تمثل مرحلة مهمة في حياة هذا الفنان.
يفتح مسرح الصواري باباً قديماً تم قفله منذ زمن الى أن ضاعت مفاتيحه، وهو الموسيقى وأهميتها في المسرح، فبتكريم مجيد مرهون مع رواد المسرح البحريني ماهو إلا اعتراف (مازال خجولاً) من القائمين على هذا الحدث بأن الموسيقى تتقاطع مع المسرح بشكل لا يمكن تفاديه، ومع أن مجيد مرهون لم يشتغل في المسرح بشكل مباشر إلا أنه يعتبر ممثلاً عن جميع الموسيقيين الذي يشتغلون في المسرح، حيث أنه قاموسنا الموسيقي الذي نستقي منه أفكارنا، ومدرستنا التي تغيبنا عنها طويلاً، فتكريمه من قبل مسرح الصواري هو تكريم لجميع الطاقات الموسيقية التي تحترم تجربته الموسيقية والتي يجب أن توثق بكل الطرق الممكنة، فمجيد مازال عنده الكثير من الأحلام المؤجلة، فهو يشارف على الإنتهاء من سيمفونيته الثانية.
فبعد الحفل الذي أقيم له ضمن مهرجان ربيع الثقافة والذي أعلن فيه عن تدشين القاموس الموسيقي الذي اشتغل عليه مجيد فترة طويلة حقاً، وكان هذا الحفل بمثابة انتصار انتظرناه طويلاً وأعتقد أن مرهون استعاد الثقة في أشياء كثيرة بعد هذه الليلة، ثم جاء تكريمه من قبل الصواري الذي أضاف الى هذا البلد بحراً جديداً من الحب الذي يغمر أرواحنا، ويجعل من أحلامنا شمعة تسعفنا في ظلمة هذا الوقت. في هذا الإحتفال ساهم مسرح الصواري في أعادة ترتيب أفكارنا وتقديرنا للفنون التي تتقاطع معنا، وفي اعتقادي الخاص والنادر أن الموسيقى هي من أكثر الفنون التي لم تقدر أهميتها في المسرح والسينما والتلفزيون، لكن في هذا الوقت يكفينا السؤال الذي يتردد في أذهان الكثيرين: (لماذا مسرح الصواري يكرم مجيد مرهون؟) سؤال مثل هذا سيكون كفيلاً بأن يساهم في فتح الباب الذي ابتكر مفتاحه مسرح الصواري.