top of page
  • محمد حداد

جيمس نيوتن هاورد .. وهو يسرد الموت


بقلم : محمد حداد


ولد في الولايات المتحدة الأمريكية. بدأ مشواره الفني عازفاً على (لوحة المفاتيح، الساينتيسايزر والميلوترون)، ثم بدأ بتأليف موسيقى الأفلام في الثمانينيات، حيث كان ظهوره الأول في كوميديا المخرج كين فينكليمان (المقر الرئيسي) الذي تلاه بفيلم قطط وحشية الذي ألفه مع الفنان هاوك ولنسكي، ثم فيلم لست صغيرا جدا على الموت و8 ملايين طريقة للموت، رجال قساة، روسكيس، وعد الأرض، كلهم أمريكيون، رقصة التاب، في ذكرى رقصة التاب (الذي قام ببطولته جريجوري هينيس وسامي ديفس الصغير). والغريب أن مجموعة كبيرة من ألأفلام التي قام بتأليفها كانت تحمل عناوينا لها علاقة بالموت (القتل المثالي، الموت مبكراً، مستهدف للموت، 8 ملايين طريقة للموت) .. هل نستطيع القول بأنها صدفة؟


لم يقلل من قيمة هاورد الفنية عندما اختارته الممثلة والمغنية باربرا سترايسند كي تستبدل جون باري (المؤلف الموسيقي البريطاني الذي سنتكلم عنه في حلقات قادمة) في فيلم برنس أوف تيد عام 1991. وقد رشح نيوتن هاورد للجائزة الأكاديمية عن موسيقى نفس الفيلم (برنس أوف تيد) عام 1991، كذلك عن موسيقى فيلم (الهارب). ورشح للجائزة أيضا لأفضل أغنية عن فيلم (جونير).


كذلك تألق في أفلام كثيرة لن يسعنا الكلام عنها لكن سأذكر أجملها وأتمنى أن توافقوني (يوم جميل)، (زواج صديقتي العزيزة)، (محامي الشيطان)، وفيلم كيفن كوستنر (ساعي البريد)، ثم فيلم (العروس الهاربة) الذي تلتقي فيه جوليا روبرتس بريتشارد جير للمرة الثانية بعد تسع سنوات من لقائهما في فيلم (إمرأة جميلة) الذي كتب موسيقاه هاورد أيضاً.


شارك هاورد في مجموعة من الأفلام التي أثرت السينما الأمريكية سأذكر بشكل مختصر بعض الأفلام التي استوقفتني موسيقياً، ففي فيلم الإثارة الدرامي (المحلّف) الذي قامت ببطولته ديمي مور، موسيقاه تجعلك متأهباً طوال الوقت وتريك الخوف المستمر الذي يلازم البطلة طوال الفيلم، كذلك فيلم (خوف أولي) للمخرج جريجوري هوبليت ومن بطولة ريتشارد جير، في هذا الفيلم يمعن هاورد بأخذنا إلى المناطق القاتمة في الشخص والتأرجح بين الشخصيات المتناقضة خصوصاً في إدعاء هارون ستامبلر (إدوارد نورتن) بالانفصام المزدوج في شخصيته التي جعلته يقتل كبير القساوسة في الكنيسة، وإقناعه المحامي بأنه كذلك.. ونجح هاورد ايضاً في تتبع كل هذه التحولات، وكان واضحاً من خلال كتابته للوتريات الكثيفة والمتضاربة، وفي هذا الفيلم أيضاً كانت هناك أغنية أعتقد بأنها أجمل ما غنت الفنانة البرتغالية (دولتشي بونتس) وهي أغنية البحر (Canção Do Mar) التي تأخذنا إلى أجواء مليئة بالعقاب والدروس المعتمة.


يبدو أن جيمس نيوتن هاورد مولع كثيراً بالماورائيات، فملازمته لأفلام المخرج المبدع الهندي الأصل م. نايت شايامالان تناولت ظواهر في منتهى الغرابة والغموض كفيلم (Unbreakable) أو (Signs)، أو حتى فيلم (The Village) القائم على الاعتقادات القروية الأقرب إلى الأسطورة، كما أنه قدم مع المخرج ديفيد كوب ظاهرة رؤية الأموات في فيلم (Stir of Echoes).. و بمناسبة الكلام عن الأموات التي كانت في عناوين كثير من الأفلام التي قام بتأليف موسيقاها، سندخل إلى موسيقى فيلم شايامالان (The Sixth Sense) الذي كانت موسيقاه - بالنسبة لي- هي فيلم من نوع آخر يحاور الرؤية الإخراجية من خلال تمازجه مع الصورة و المؤثر الصوتي بنغمات في منتهى الدقة.


حاسة نيوتن هاورد السادسة


أسلوب جيمس نيوتن هاورد الغنائي الدافئ يناسب بشكل مثالي هذه الحكاية الخارقة للطبيعة التي تلبس الميتافيزيقا بمنتهى الأناقة والرعب، حيث الولد الصغير الذي لم يتجاوز عمره الثماني سنوات وهو "يرى أناسا أمواتا طوال الوقت" انه فيلم بني بأسلوب هادئ وبطيء وكأن المخرج كان مستمتعاً في اختيار أكثر الصور إرعاباً ليكتب بها سيناريو هذا الفيلم الكئيب، فأحداثه تتسرب إلى داخلك بمنتهى السلاسة، وهو فيلم يجعلك تحترق بهدوء ثم يصدمك بالاكتشاف وهى الصدمة الرئيسية النهائية التي تجعلك تسترجع مرة أخرى الأحداث كاملة فتكتشف بأن كل شي كان واضحا منذ البداية، لكنك كنت في الخدر اللذيذ بسبب طريقة السرد والأداء المبهر للطفل كول سير (هيلي جويل أوسمنت) من جهة، والذي ليس صدفة أنه لو ترجم اسمه حرفياً سيكون (فحم يحترق)، ومن جهة أخرى تحليقك مع موسيقى هاورد الممسكة بزمام الحبكة. فموسيقى نيوتن هاورد تمضي بنفس النمط الطقسي، وبحكمة مركزة على المشاعر وحساسية الطفل وضعفه من خلال الكوابيس الحقيقية الكثيرة والمتلاحقة. أولى المقطوعات المميزة في هذا الفيلم هي (الجري إلى الكنيسة) حيث اشتركت بشكل إجمالي نغمات البيانو مع الوتريات الكثيفة في عزف الثيمة (اللحن) الخاصة بالطفل التي تحوى البراءة والأسى معا ممتزجين بشعور البرد بسبب الأشباح المترصدة به.


يستمر هذا الشعور حتى ينتهي بالدخول في المقطوعة الثانية (من الأعماق) وهي صلاة مليئة بالغموض، بطيئة وهادئة، ومغلفة بالوتريات والتعبير المبالغ في الجمال، والإيحاءات التي تصل من موتيفات (لزم موسيقية) آلة الهورن البعيدة التي تبحث قبل إظلام الألحان الموسيقية المتدفقة، ويقوم بهذا الدور الوتريات المنخفضة (ذات الصوت الغليظ)، وسيطرة الساينث (الأصوات الإلكترونية) بشكل لطيف حيث يقترح هاورد هنا معاناة الأرواح التائهة البعيدة. فموسيقى نيوتن هاورد تضع للأشباح نسيجا منعشا جداً ومتمرداً على الأنماط المهترئة التقليدية موصلا بحرية العديد من أفكار (مؤثرات الخوف) الجديدة. فهو يستخدم ذكائه في علم الإلكترونيات وخياله الخصب ويمزجهما معاً متدفقين بأوركستراه الغنية بالألوان الصوتية، فيعرض إحساساً رفيعاً من الحجم الصوتي المتوازن، وبعداً مبتكراً يزيد تأثير هذه الموسيقى فينا..


يستخدم هاورد أصواته الإلكترونية والطبيعية متداخلة لكي يحسن من التأثير الدرامي. على سبيل المثال أصوات الكورس الرجالي عند فتح (شريط كيرا) الفتاة التي قتلتها زوجة أبيها، نرى صوت الباص (الصوت الغليظ للرجال) المفاجئ المخيف والمتنافر يوحي بالتهديد، وهو منفصل عن المجموعة الغنائية الرئيسية. إضافة إلى قرع أجراس تقول: (الموت.. الموت) متداخلاً مع صوت الوتريات العالية، فينتابك جو من التخويف (الذي سيجعلك دافئا إلى أقصى حد) إلى أن ينتقل الكورس الغنائي - الذي يبدأ في البهتان والوتريات التي تنحدر شيئاً فشيئاً - إلى المناطق الأدفأ من مساحتها الصوتية.


ينمو إحساس نيوتن هاورد الدرامي فيزداد الوخز المرعب، وهذه الميزة تضاف إلى حد بعيد إلى التسلسل الدرامي للفيلم، ولا يقتصر تأثيرها في زيادة الخبرة لدى المستمع بالإشباع الموسيقي البعيد عن الإستعراض فقط، بل تغمره بالخبرة والذوق الموسيقي أيضاً.

RSS Feed
البحث بالتصنيف
كتبت أيضاً..
ما ذهب في الذاكرة..
bottom of page