top of page
محمد حداد

أمسية النوستالجيا .. حيث الحنين على آخره



لقد استمعت إلى CD حنين قبل خمس سنوات عند الصديق محمد أشكناني في الكويت، وهو من الأصدقاء الذين يبحثون بشكل مستمر عن الأعمال المغايرة في طرحها الموسيقي والغنائي، ويملك مكتبة واسعة من الأعمال التي تتداخل فيها الثقافات الموسيقية كموسيقى الجاز الشرقي وموسيقى الأفروعرب والأفرولاتن و الورلد عرب إنديان وغيرها من التوليفات الجميلة حقا.. فهو من الأشخاص الذين يحترمون هكذا تجارب، فعندما أسمعني حنين لأول مرة، أحببت أسلوبها في مزج الأغاني التي احتلت مكانة كبيرة في الذاكرة العربية بالألحان اللاتينية من سالسا وتشا تشا وتانغو، وقد لفت نظري تطويرها لأغنية (يا حبيبي) لأسمهان - التي لم تغنها في حفل الليلة الماضية - حيث أضفت عليها روحاً وصبغة أكثر حيوية ونبضاً نشعر به بشكل أقرب من قبل، بسبب الوعي الأكبر بالموسيقى اللاتينية والألوان الصوتية القادرة على توصيل الرؤى المشتركة بين هذه الثقافات.


لكن عندما حضرت أمسية النوستالجيا التي استدعت أجمل ما قيل في التراث العربي لفريد وعبد الوهاب وأسمهان وفيروز وسيد درويش.. كل هذه الأسماء التي أثرت الموسيقى العربية وأثرت فيها بتقديم أروع الألحان والأغاني التي تنوعت بين اللون الشعبي من طقطوقات و أدوار إلى القصائد الفصيحة والأغنيات الرومانسية، فتأتي حنين بكل ما تيسر لها من حنين لتأخذنا في جولة بين أروقة أمريكا اللاتينية حيث محلات الورود وباعة التبغ والفتيان ذوي الشعور المجدولة بكلمات (الليندي) و(غارثيا ماركيز) تصقل كل هذه الصور بصور أكثر دقة وشفافية، فنرى التزاوج بين أداء رومان دياز القادم من هافانا بروحه المرحة الممزوجة برطوبة الحر الكامن في قريته و قلبه، هذا الصارخ بكل فرح وكأنه خلق للتو، فنرى في حضوره الغامر على الخشبة براءة الطفل في استمتاعه بما يقول ولهيب العاشق في أداء صوته المحترف والمدرب لكي يأسر كل من يستمع إليه. لذلك اختارته حنين كي يفتتح الحفل بأغنيتين من بلاده، لكن بشكل مشاكس أعطانا عازف الترومبيت (آلة نفخ نحاسي ذات ثلاثة مفاتيح) في الوصلة الموسيقية للأغنية الثانية ملامح من لحن أغنية الحلوة دي لسيد درويش!! وهو بهذه اللزمة الموسيقية (الموتيف) يؤكد لنا بأنه جدير بموسيقانا أيضا.. فقط علينا أن نتريث قليلاً، فالقادم سيكون أجمل.


تقدم نفسها بنعومة حيث نلمس في صوتها الحنين للبنان فتفاجئنا بلحن شعبي تترنم به يتغنى بعين العريش المنطقة التي جاءت منها. بعد ذلك تنهال علينا بمجموعة من الأغاني التي تقرع أجراس ذاكرتنا بعنف لجمالها وجمال المزيج الذي قامت الفرقة بإعداده لهذه الأغنيات.


مع قليل من التحفظات على بعض الأغنيات التي قامت بأدائها سواء في التوزيع الموسيقي أو في أدائها إلا أن ما قدمته الفرقة الكوبية بقيادة حنين و رومان دياز من أغاني، كأغنية (كان أجمل يوم) الذي قدمته على إيقاع الرومبا يشاركها دياز بلغته، وأيضاً أغنيتها الجديدة التي تتكلم عن العنصرية التي بدأتها بإيقاع الدبكة الذي يضرب في الشغاف حيث استخدم البيس درام (الطبل الغليظ) لتنفيذ هذا الضرب فتشعر بأنه ضرب (من الجنون) الموسيقي تصاحبه كوردات (تآلفات موسيقية) لاتينية راقصة من آلة البيانو الإلكتروني من ناحية والترومبيت يعزف مقام الصبا المعدل (حيث لا يمكن عزف هذا المقام بشكله الطبيعي على هذه الآلة)، وتتنقل بين الإيقاع اللاتيني والفلكلور اللبناني برشاقة وكأنها تؤكد بأن (صوتها جسر بين بيروت وهافانا)!!


غنت (الحلوة دي) و (شغلوني و شغلوا النوم) وصوت دياز يزداد تألقاً ونضارة، وعند نهاية المقطع الأول من أغنية (قلبي و مفتاحه)، يدب الجنون في الأغنية وكأنها أضاعت مفتاح القلب وإيقاعه، حيث يتحول جميع العازفين إلى كورال يردد لحن فريد الأطرش نفسه ولكنهم متشبثين بلغتهم، والبيانو يعزف السيكونس اللحني الذي يميز الموسيقى اللاتينية حيث تدب الحمى فيهم فيطفر من أجسادهم الشرر والنشوة تعتريهم فيرقص الجميع. عودة إلى المقطع الثاني من الأغنية حيث التعامل الذكي مع هذا المقطع لأن اللحن هنا على مقام البياتي الذي لا يمكن عزفه على هذه الآلات فيعزف البيانو والبيس جيتار النغمات الأساسية متفادين باقي النغمات الشرقية.


في اعتقادي أن أغنية (على بالي هواك يا حبيبي) كانت أفضل ما غنت حنين في هذه الأمسية التي أخذتنا من شغافنا من حيث الأداء، فقد اختارت منطقة مريحة بالنسبة لطبقتها الصوتية وأعتقد بأنها (ميتسو سوبرانو)، لذلك كان أدائها في أروع حالاته.


مرورا بذخيرتنا العربية من أغاني حيث قدمت ميدلي غنائي(أهواك، ليالي الأنس، عاشق الروح، نويت أداري آلامي، يا غرام) ثم تختفي ليستلم رومان أسرنا بوصلة من الفن اللاتيني حيث يجعلنا نقف و نرقص معه ومع عازف الترومبيت الذي (لم تكتمل آناته الستة عشر لتصبح روبية كاملة) فقد السيطرة على قوانين الطبيعة وترك آلته ليتنقل بين آلاتهم يعزف عليها ثم يرقص، وأحياناً يسرق المايكروفون من رومان ويقدم وصلة غنائية منفردة!!


تعود حنين بالروزانا والعذاب وهواك التي تسبقها مقدمة موسيقية يغني فيها رومان والبيس جيتار يعزف نغمتي الأساس والخامسة من السلم الموسيقي حيث لا نستطيع تخمين ما هي الأغنية التي ستدخل بها!!

أعتقد بأن التحويل الإيقاعي السريع الذي قدمته الفرقة لأغنية فيروز (زوروني) أو بصيغة أخرى مضاعفة الإيقاع لم يكن موفقاً، فالسرعة البطيئة كانت تليق أكثر بلحن مثل هذا. فرقة مميزة حقاً وأمسية أكثر جمالاً.

RSS Feed
البحث بالتصنيف
كتبت أيضاً..
ما ذهب في الذاكرة..
bottom of page